فصل: أمر النيل في هذه السنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن صلاح الحريري أحد نواب القضاة الحنفية ومشايخ القراء بالديار المصرية ففي يوم الجمعة رابع عشرين شهر رجب‏.‏

وكان فقيهًا مقرئًا أقرأ ودرس وناب في الحكم سنين‏.‏

وتوفي القاضي شمس الدين محمد بن عمر القليجي الحنفي مفتي دار العدل وأحد نواب القضاة بالديار المصرية في ليلة الثلاثاء العشرين من شهر رجب‏.‏

وقد بلغ من الرياسة مبلغًا عظيمًا وكانت لديه فضيلة تامة‏.‏

وتوفي العلامة شمس الدين محمد الأقصرائي الحنفي شيخ المدرسة الأيتمشية بباب الوزير في سابع عشر جمادى الأولى‏.‏

وكان إمامًا عالمًا مدرسًا فقيهًا ذكيًا حافظًا‏.‏

كان يلقي الدرس عند الملك الظاهر أيام إمرته وصدرًا من سلطنته‏.‏

وكان خصيصًا عند السلطان وله وجاهة في وتوفي القاضي برهان الدين إبراهيم القلقشندي الشافعي موقع الحكم وأحد الفقهاء الشافعية في ثالث عشرين شعبان‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين طرغان بن عبد الله الظاهري أمير جاندار في سادس عشر صفر‏.‏

وكان أحد أعيان المماليك الظاهرية برقوق خصيصًا عند أستاذه‏.‏

وتوفي الشيخ نور الدين أبو الحسن علي الهوريني الفقيه الشافعي شيخ القوصونية في شهر رجب وكان فقيهًا فاضلًا بارعًا‏.‏

‏)‏نقص 116 - 117‏(‏ قال قاضي القضاه العيني - رحمه الله -‏:‏ وكان حصل له شيء من التغفل والتساهي‏.‏

قلت‏:‏ كان فيه سلامة باطن مع دين وشفقة ولين جانب حتى صار يحكى عنه أشياء في حكوماته مختلقة عليه كما يذكر الناس ذلك عن الخادم بهاء الدين قراقوش الصلاحي الخصي وليس لذلك صحة‏.‏

انتهى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين قطلوبك بن عبد الله الطشتمري أحد أمراء الألوف بالديار المصرية‏.‏

وكان جليل القدر وقورًا من الأمراء المشايخ‏.‏

وتوفي الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن رجب بن كلبك التركماني الأصل المصري في يوم الجمعة سادس عشرين صفر‏.‏

كان شابًا جميلًا حسن الهيئة‏.‏

وهو ممن توفي من الوزراء بغير نكبة‏.‏

ولاه الملك الظاهر برقوق أولًا شاد الدواوين بعد ابن آقبغا آص ثم عزل بابن آقبغا آص وعوض عن شد الدواوين بشد الدواليب الخاص عوضًا عن خاله محمد بن الحسام بحكم انتقال خاله إلى الوزارة‏.‏

ثم بعد مدة صودر وحمل مائة وسبعين ألف درهم وقبل أن يغلقها أفرج عنه‏.‏

ثم ولاه الملك الظاهر الوزارة عوضًا عن الوزير موفق الدين في يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وسبعمائة وأنعم السلطان عليه في يوم ولايته للوزارة بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر‏.‏

ثم خلع السلطان على جماعة من الوزراء البطالين بوظائف تحت يده تعظيمًا له وصار الجميع في خدمته فاستقر الوزير سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الدولة واستقر الوزير كريم الدين بن الغنام في نظر البيوت واستقر الوزير علم الدين سن إبرة في استيفاء الدولة شريكًا للوزير تاج الدين عبد الرحيم ابن أبي شاكر ونزل الجميع في خدمته وباشروا بين يديه كما كانوا بين يدي خاله الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن الحسام الصفوي فسمي بوزير الوزراء وباشر بحرمة وافرة إلى أن مات‏.‏

وتوفي السيد الشريف صدر الدين مرتضى بن الشريف غياث الدين إبراهيم بن حمزة الحسني العراقي نقيب الأشراف في ليلة السبت ثالث شهر ربيع الآخر ودفن على أبيه بتربة الأتابك يلبغا العمري بالصحراء خارج القاهرة‏.‏

وكان ولي نظر وقف الأشراف مع نقابة الأشراف ونظر القدس والخليل‏.‏

وكان شكلًا جميلًا مهيبًا فصيحًا بالألسن الثلاثة‏:‏ العربية والعجمية والتركية‏.‏

وكان دينًا خيرًا صاحب عبادة ونسك‏.‏

وكان له نظم على طريق البغاددة - رحمه الله تعالى - وهو قوله‏:‏ بحقي عليكم بشوقي إليكم إذا اشتقت ليكم تعالوا ابصروني وتوفي ملك الغرب وصاحب فاس السلطان أبو فارس عبد العزيز بن السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم بن إبراهيم بن أبي الحسن المريني وأقيم بعده على سلطنة فاس أخوه أبو عامر عبد الله‏.‏

وتوفي الشيخ صلاح الدين محمد الشطنوفي موقع الحكم في شهر رمضان وكان إمامًا في صناعته‏.‏

وتوفي الشيخ نور الدين علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض الدميري المالكي شيخ القراء بخانقاه شيخون وأخو القاضي تاج الدين بهرام في ثاني عشرين شهر رمضان‏.‏

وكان إمامًا في القراءات مشاركًا في عدة فنون‏.‏

وتوفي الأمير ناصر الدين محمد بن جمق بن الأمير الكبير أيتمش البجاسي في يوم الجمعة خامس وتوفي الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير جاركس الخليلي في يوم الثلاثاء تاسع صفر‏.‏

وكان محمد المذكور أيضًا من أمراء الطبلخانات بالديار المصرية‏.‏

وتوفي القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن موسى الشنشي الحنفى المعروف بالرخ أحد نواب القضاة الحنفية بمصر في يوم الخميس سادس جمادى الأولى‏.‏

وتوفي الشيخ زين الدين مقبل بن عبد الله الصرغتمشي الفقيه الحنفي في أول شهر رمضان بالقاهرة‏.‏

وكان فقيهًا فاضلًا مستحضرًا لفروع مذهبه وله مشاركة في عدة فنون‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين تغري برلي بن عبد الله القردمي قتيلًا في محبسه‏.‏

وكان من أعيان الأمراء ووقع له أمور في واقعة الناصري ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق أولًا ثم كان من حزب الملك الظاهر على منطاش آخرًا ودام على ذلك إلى أن قبض عليه وحبس ثم قتل في التاريخ المذكور - رحمه الله - وكان شجاعًا مقدامًا‏.‏

وتوفي الشيخ الخطيب برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ المعتقد الصالح عبد الله المنوفي الفقيه المالكي في شهر رجب‏.‏

وكان أحد الفقهاء المالكية‏.‏

قرأ ودرس وخطب بجامع الأمير شرف الدين أمير حسين بن جندر سنين وهو ابن العبد الصالح المشهور عبد الله المنوفي‏.‏

 أمر النيل في هذه السنة

‏:‏ السنة الثامنة من سلطنة الظاهر برقوق الثانية وهي سنة تسع وتسعين وسبعمائة‏.‏

فيها توفي الأمير سيف الدين إياس بن عبد الله الجرجاوي نائب طرابلس بالقاهرة بعد أن قبض عليه وألزم بحمل مال كبير فأرسل خازنداره إلى حضور المال فمات بعد يومين في يوم الجمعة ثامن عشرين صفر‏.‏

وكان أولًا من أمراء الألوف بالديار المصرية ثم تنقل في عدة أعمال بالبلاد الشامية حتى إنه ولي نيابة طرابلس ثلاث مرات آخرها في سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية إلى أن عزله بالأمير دمرداش المحمدي الظاهري نائب حماة‏.‏

وتوجه إياس أتابكًا بدمشق فأقام بها يسيرًا‏.‏

وطلب إلى القاهرة وصودر وأهين إلى أن مات بعد يومين حسب ما تقدم ذكره‏.‏

وقيل إنه لما أهين كان في يده خاتم سم فمصه فمات من وقته وقيل غير ذلك‏.‏

وكان بشع المنظر ظالمًا غشومًا حد المزاج كريه المعاشرة يرمى بعظائم‏.‏

قيل إنه قال له رجل مرة‏:‏ يا وجه القمر بعد أن دعا له كما هي عادة العوام فضرب الرجل ضربًا مؤلمًا وقال‏:‏ أنا أعرف بنفسي منك‏.‏

وكانت بعض حظاياه ملكها الوالد من بعده واستولدها فكانت تحكي عنه عظائم من سوء خلقه وخلقه‏.‏

وتوفي الأمير أبو بكر بن محمد بن واصل المعروف بابن الأحدب أمير العربان ببلاد وتوفي الأمير ركن الدين بيبرس بن عبد الله التمان تمري الأمير آخور الثاني وأحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية في رابع عشر جمادى الآخرة‏.‏

وكان من قدماء الأمراء وهو من أول الأمر إلى آخره كان من حزب الملك الظاهر برقوق‏.‏

وكان الملك الظاهر ينادمه ويمازحه ويعجبه كلامه‏.‏

وأنا أتعجب غاية العجب من الملك الظاهر برقوق في عدم ترقيه ولعله كان راضيًا بما هو فيه والله أعلم‏.‏

وهو والد صاحبنا الناصري محمد بن بيبرس - رحمهما الله تعالى -‏.‏

وتوفي الأمير عمر بن عبد العزيز أمير عرب هوارة ببلاد الصعيد‏.‏

قلت‏:‏ وعمر هذا هو والد بني عمر أمراء العربان ببلاد الصعيد في زماننا هذا ولعله يكون أول من ولي منهم الإمرة‏.‏

وتوفي الشيخ المسند المعمر المعتقد زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك بن حماد المغربي المعروف بابن الشيخة‏.‏

ومولده في سنة خمس وعشرين وسبعمائة ومات في تاسع عشرين شهر ربيع الآخر ودفن خارج القاهرة بعد أن حدث سنين وصار رحلة في زمانه‏.‏

وتوفي الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد العزيز العقيلي بفتح العين المهملة المالكي إمام المالكية بالمسجد الحرام بمكة المشرفة وأخو القاضي أبي الفضل - وكان يعرف وتوفي الشيخ الإمام محب الدين محمد بن الشيخ الإمام العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام النحوي في ليلة الاثنين رابع عشرين شهر رجب بعد أن تصدى لإقراء النحو سنين وانتفع به جماعة الطلبة‏.‏

وكان له مشاركة جيدة في الفقه وغيره وكان خيرًا دينًا‏.‏

وتوفي قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي قاضي قضاة‏.‏

الديار المصرية في يوم السبت ثامن عشرين ذي الحجة‏.‏

وكان عفيفًا دينًا مشكور السيرة‏.‏

وتولى القضاء من بعده قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن موسى بن محمد الملطي بعد أن خرج البريد بطلبه وشغر منصب القضاء بالقاهرة مائة يوم وأحد عشر يومًا حتى حضر وولي قضاء الحنفية بديار مصر‏.‏

قلت‏:‏ هكذا تكون ولاية قضاة الشرع الشريف بعزة وطلب واحترام لا كمن يسعى فيها من بيت المال والأمير الكبير إلى بيت والي القاهرة حتى يلي بالمال والبذل من غير تستر في ذلك حتى إنه يعرف ولايته بالبرطيل كل أحد من المسلمين حتى النصارى واليهود فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العالم زين الدين ميكائيل بن حسن بن إسرائيل التركماني الفقيه الحنفي في ذي الحجة عن نيف وسبعين سنة‏.‏

كان فقيهًا فاضلًا بارعًا مشاركًا في فنون كثيرة من العلوم وتوفي القاضي جمال الدين محمود بن أحمد وسماه بعضهم محمودًا بن محمد بن علي بن عبد الله القيصري العجمي الحنفي قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية وناظر الجيوش المنصورة بها وشيخ شيوخ خانقاه شيخون في ليلة الأحد سابع شهر ربيع الأول بعد أن جمع بين هذه الوظائف الثلاث التي لم تجمع لغيره‏.‏

وكان من رجال الدهر حزمًا وعزمًا ومعرفة وعقلًا وفضلًا‏.‏

وكان قدم إلى القاهرة في عنفوان شبيبته فقيرًا مملقًا وترك بالمدرسة الصرغتمشية مدة يخدم الفقهاء فرأى في منامه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول له‏:‏ ‏"‏ أنت شاهنشاه ‏"‏ ففسر المنام على الشنشي‏.‏

وكان من جملة الصوفية بالصرغتمشية وتنقلت به الأحوال إلى أن صار يقرىء المماليك بالأطباق من القلعة‏.‏

وقتل الملك الأشرف شعبان وصار مخدومه طشتمر اللفاف أتابك العساكر فتكلم له في حسبة القاهرة دفعة واحدة فوليها ونزل عند شخص في داره حتى تعين له دار يسكنها‏.‏

وبعث له قاضي القضاة صدر الدين المناوي بثوب حتى لبسه لعجزه عن شراء ثوب وهذا كان أول مبدأ أمره‏.‏

ثم تنقل في الوظائف حتى كان من أمره ما كان‏.‏

ولما مات خلف موجودًا كبيرًا وكتبًا حسنة خلف ثمانية أولاد من الذكور والإناث منهم العلامة صدر الدين أحمد بن العجمي الآتي ذكره في وفيات ثلاث وثلاثين وثمانمائة‏.‏

وتولى قضاء الحنفية من بعده القاضي شمس الدين محمد الطرابلسي ومات في السنة حسب ما تقدم وولي الجيش بعده شرف الدين بن الدماميني‏.‏

وتوفي الأمير جمال الدين محمود بن علي بن أصفر عينه الأستادار في يوم الأحد تاسع شهر رجب بخزانة شمائل بعدما نكب وعوقب وصودر ودفن بمدرسته خارج بابي زويلة المعروفة به‏.‏

وجملة ما أخذه الملك الظاهر منه من المال في أيام مصادرته ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار وألف ألف درهم فضة وبضائع وغلال وغير ذلك بما ينيف على ألف ألف درهم فضة‏.‏

وتلف له بأيدي من عاقبه وحواشيه جملة كبيرة‏.‏

أخفى هو أيضًا أشياء كثيرة يترجى البقاء‏.‏

ومن عظم ما ظهر له من المال قالت العامة‏:‏ ‏"‏ ألان الله الحديد لداود والذهب لمحمود ‏"‏‏.‏

وكان أصل محمود هذا أنه كان في مبدأ أمره فقيرًا يتعانى الشد في إقطاعات الجند ثم خدم عند بعض الأمراء فصلحت حاله وحصل وسعى حتى ولي شد الدواوين بالقاهرة فظهر منه نجابة ويقظة‏.‏

وترقى حتى ولي الأستادارية في دولة الملك الظاهر برقوق الأولى وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف‏.‏

ونكبه الناصري لما ملك مصر وحبسه إلى أن خرج من السجن في توبة بطا وأصحابه من الجب‏.‏

وأعاده الملك الظاهر إلى وظيفة الأستادارية بعد مدة فإنه كان أولًا لما قدم إلى مصر ولاه مشيرًا ثم أعاده إلى الأستادارية ودام بها إلى أن قبض عليه الظاهر بسعي وتوفي الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله القبطي الأسلمي المعروف بابن البقري في ليلة الاثنين رابع جمادى الآخرة مخنوقًا بعدعقوبة شديدة ومصادرة‏.‏

وتوفي قاضي القضاة سري الدين أبو الخطاب محمد بن محمد قاضي قضاة الشافعية بدمشق المعروف بابن المسلاتي الشافعي بالقاهرة في يوم الخميس سابع عشرين شهر رجب‏.‏

وكان فقيهًا عالمًا‏.‏

أفتى ودرس وولي قضاء دمشق‏.‏

وكان معدودًا من علماء الشافعية‏.‏

وتوفي قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس أحمد بن قاضي القضاة عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عبد العزيز بن صالح بن أبي العز وهيب بن عطاء بن جبير بن جابر بن وهيب الحنفي الدمشقي المعروف بابن أبي العز وبابن الكشك قتيلًا بدمشق في مستهل ذي الحجة بعد أن لزم داره مدة وكان إمامًا فقيهًا بارعًا عالمًا مفتنًا ولي قضاء دمشق استقلالًا غير مرة وحسنت سيرته‏.‏

وأشخص في سنة سبع وسبعين وسبعمائة إلى الديار المصرية وولي بها قضاء الحنفية بعد قاضي القضاة صدر الدين محمد بن عبد الله التركماني بعد موته فلم تطل مدته واستعفى وألح في ذلك حتى أعفاه السلطان وولاه قضاء الحنفية بدمشق على عادته فدام بها سنين ثم صرف عنها ولزم داره حتى مات قتيلًا بدمشق - رحمه الله تعالى‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏

والله أعلم‏.‏

السنة التاسعة من سلطنة الظاهر برقوق الثانية وهي سنة ثمانمائة‏.‏

وفيها توفي الأمير سيف الدين تنبك بن عبد الله اليحياوي الظاهري الأمير آخور الكبير في ليلة الخميس رابع عشر شهر ربيع الآخر ونزل السلطان إلى الإسطبل ومشى في جنازته حتى حضر الصلاة عليه بمصلاة المؤمني ثم ركب وتوجه أمام جنازته حتى شاهد دفنه‏.‏

وأقام القراء على قبره أسبوعًا ووجد السلطان عليه كثيرًا وبكى عند دفنه‏.‏

وكان من عظماء المماليك الظاهرية أنعم عليه السلطان بإمرة عشرة في أوائل واقعة الناصري ومنطاش ثم رقاه حتى ولاه الأمير آخورية بعد الأمير بكلمش العلائي لما نقل إلى إمرة سلاح فدام في وظيفة الأمير آخورية إلى أن توفي وتولى الأمير آخورية بعد موته الأمير نوروز الحافظي الظاهري رأس نوبة النوب‏.‏

وتوفي السيد الشريف جمال الدين عبد الله بن عبد الكافي بن علي بن عبد الله الطباطبي نقيب الأشراف في ليلة رابع عشرين ذي القعدة‏.‏

وتوفي القاضي العلامة تاج الدين أبو محمد عبد الله بن علي بن عمر السنجاري الحنفي المعروف بقاضي صور بفتح الصاد المهملة‏.‏

وصور‏:‏ بليدة بين حصن كيفا وبين ماردين من ديار بكر بن وائل‏.‏

وكان إمامًا عالمًا مفتنًا بارعًا في الفقه والأصلين والعربية واللغة وأفتى ودرس سنين بدمشق ومصر‏.‏

وكان في ابتداء أمره لما قدم القاهرة اجتاز بدمشق واستوطنها مدة وأخذ بها عن العلامة علاء الدين القونوي الحنفي ثم قدم إلى القاهرة فأخذ عن العلامة شمس الدين محمد الأصبهاني وغيره حتى برع في عدة فنون وأفتى ودرس وصنف وأشغل ومن تآليفه كتاب ‏"‏ البحر الحاوي في الفتاوى ‏"‏ ونظم كتاب ‏"‏ المختار في الفقه ‏"‏ ونظم ‏"‏ السراجية في الفرائض ‏"‏ ونظم كتاب ‏"‏ سلوان المطاع لابن ظفر ‏"‏‏.‏

وناب في الحكم بالقاهرة وولي وكالة بيت المال بدمشق وكان من محاسن الدنيا دينًا وعلمًا وخيرًا وكرمًا‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين قلمطاي بن عبد الله العثماني الظاهري الدوادار الكبير بالديار المصرية في ليلة السبت ثالث عشر جمادى الأولى وحضر السلطان الملك الظاهر الصلاة عليه بمصلاة المؤمني وحضر دفنه أيضًا بتربته التي أنشأها عند الصوة بالقرب من باب الوزير وبكى السلطان عليه بكاء كثيرًا وأقام القراء على قبره أسبوعًا‏.‏

وتولى الدوادارية من بعده الأمير بيبرس ابن أخت السلطان‏.‏

وكان قلمطاي من أجل المماليك الظاهرية‏.‏

باشر الدوادارية بحرمة وافرة ونالته السعادة وعظم في الدولة وهو صاحب الحاصل بالقرب من البندقيين بالقاهرة وخلف مالًا كثيرًا وهو أيضًا ممن نشأه أستاذه الملك الظاهر برقوق في سلطنته الثانية رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي أمين الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي الأنصاري الحمصي الحنفي كاتب سر دمشق بها في ثاني عشر ذي الحجة‏.‏

ومولده في يوم الاثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وتفقه بدمشق وبرع في الفقه والعربية وشارك في عدة فنون مشاركة جيدة ومهر في الأدب والترسل والنظم وتولى كتابة سر دمشق وباشرها بحرمة وافرة ونالته السعادة في مباشرته‏.‏

وكان ذا شكالة حسنة وعبارة نصيحة وفضل وإفضال وكان له يد في علم الموسيقى وتأديته وعنده ميل إلى اللهو والطرب مع حشمة ودين وكرم‏.‏

ومن شعره لما عاد من تجريدة أرزنكان صحبة الأمير تنم الحسني نائب الشام وقد ضل غالب العسكر في بعض الليالي عن الماء فنزل هو على ماء في بعض الطريق وقال في ذلك‏:‏ ضلوا عن الماء لما أن سروا سحرا قومي فظلوا حيارى يلهثون ظما والله أكرمني بالورد دونهم فقلت ‏"‏ يا ليت قومي يعلمون بما ‏"‏ وله أيضًا - سامحه الله تعالى -‏:‏ فديت عيون من حرمت عيوني مناها من لقا طيب المنام وراشت من لواحظها نبالًا مراشقها شفين من السقام إذا لاحظنني فتصيب قلبي على اللحظات موفور السهام لها شفتان قد شفتا فؤادي ولا شفتاه إلا للغرام وثغر من يعيش به ارتواء يموت من الصبابة وهو ظام أدامت لي مدامته ارتشافًا فوا سكراه من ذاك المدام ولما رام بدر الأفق فخرًا وتشبيهًا بما تحت اللثام بدت تختال عجبًا عن عقود وتبسم عن جمان بانتظام فأزرى ثغرها بالبدر نقصًا وأخجل وجهها بدر التمام بعيشك يا كريم الخيم كن لي معينًا إن مررت على الخيام وقل صب توصل في أوان له قلب تقطع بالأوام ولب هام بالذكرى ودمع كوبل عطاء فخر الدين هامي وتوفي الشيخ الصالح المعتقد أبو عبد الله محمد بن سلامة النويري المغربي المعروف بالكركي لطول إقامته بمدينة الكرك في خامس عشرين شهر ربيع الأول‏.‏

وكان عند الملك الظاهر برقوق بمنزلة مكينة جدًا كان مجلسه فوق قضاة القضاة ولم يغير لبس العباءة ولا أخذ من الملك الظاهر شيئًا من المال وكان الناس فيه على قسمين ما بين مفرط في مدحه وما بين مفرط في الحط عليه‏.‏

وتولى الأمير يلبغا السالمي تجهيزه وبعث السلطان مائتي دينار للقراءة على قبره مدة أسبوع‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين آق بلاط بن عبد الله الأحمدي الظاهري أحد أمراء العشرات ورأس نوبة في شهر ربيع الآخر وكان تركي الجنس شجاعًا‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين طوغاي بن عبد الله العمري أحد أمراء العشرات بالديار المصرية ونقيب الفقراء السطوحية في أول شهر ربيع الأول‏.‏

وكان دينًا خيرًا يحب الفقراء ويتردد لزيارة الصالحين‏.‏

وتوفي الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد البعلبكي الدمشقي الضرير المعروف بالبرهان الشامي في ثامن جمادى الأولى وكان فاضلًا أديبًا فقيهًا‏.‏

وتوفي الأمير سولي بن قراجا بن دلغادر التركماني صاحب أبلستين‏.‏

قتل غيلة على فراشه وتوفي الأمير شرف الدين موسى بن قماري أمير شكار في ثاني عشر شهر رجب‏.‏

وكان من جملة أمراء العشرات‏.‏

وتوفي الشيخ الأديب المادح أبو الفتح محمد بن الشيخ العارف على البديوي في ثامن عشر جمادى الآخرة بالنحريرية وكان أكثر شعره مدائح‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعًا مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وسبعة أصابع والله تعالى أعلم‏.‏

سلطنة الناصر فرج بن برقوق الأولى السلطان الملك الناصر زين الدين أبو السعادات فرج ابن السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق ابن الأمير آنص الجاركسي الأصل المصري المولد والمنشأ سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية وهو السلطان السادس والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية والثاني من الجراكسة وأمه أم ولد رومية تسمى شيرين ماتت في سلطنته‏.‏

مولده في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة قبل خلع أبيه الملك الظاهر برقوق من السلطنة وحبسه بالكرك فأراد أن يسميه ‏"‏ بلغاك ‏"‏ يعني ‏"‏ تخبيط ‏"‏ باللغة التركية فسمي ‏"‏ فرجًا ‏"‏ جلس على تخت الملك بقلعة الجبل صبيحة موت أبيه يوم الجمعة النصف من شوال سنة إحدى وثمانمائة بعهد من أبيه إليه حسب ما تقدم ذكره في أواخر ترجمة أبيه وحسب ما نذكره أيضًا‏.‏

وفي سلطنته يقول الأديب المقرىء شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن حسن الأوحدي‏:‏ مضى الظاهر السلطان أكرم مالك إلى ربه يرقى إلى الخلد في الدرج وقالوا ستأتي شدة بعد موته فأكرمهم ربي وماجا سوى فرج جلوسه على تخت الملك قال الشيخ تقي الدين المقريزي - رحمه الله تعالى‏:‏ ولما كان صبيحة يوم الجمعة اجتمع بالقلعة الأمير الكبير أيتمش والأمير تغري بردي أمير سلاح وسائر أمراء الدولة واستدعي الخليفة وقضاة القضاة وشيخ الإسلام البلقيني فلما تكاملوا بالإسطبل السلطاني أحضر فرج بن السلطان الملك الظاهر برقوق وخطب الخليفة وبايعه بالسلطنة وقلده أمور المسلمين وأحضرت خلعة سوداء فأفيضت على فرج المذكور ونعت بالملك الناصر وركب بشعار السلطنة وطلع حتى جلس على تخت الملك بالقصر السلطاني وقبل الأمراء كلهم الأرض بين يديه على العادة ولبس الخليفة تشريفًا جليلًا ثم أخذ الأمراء في تجهيز السلطان الملك الظاهر برقوق‏.‏

انتهى كلام قلت‏:‏ ونذكر الآن في ابتداء دولة الملك الناصر فرج اسم خليفة الوقت ولقبه وقضاة القضاة وأرباب الوظائف من الأمراء وغيرهم من النواب بالبلاد الشامية ليكون ذلك مقدمة لما يأتي من تغيير الوظائف وتقلبات الدول‏.‏

انتهى‏.‏

فخليفة الوقت‏:‏ أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد العباسي والقاضي الشافعي صدر الدين محمد المناوي والقاضي الحنفي جمال الدين يوسف الملطي والقاضي المالكي ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون والقاضي الحنبلي برهان الدين إبراهيم بن نصر الله العسقلاني والأمير الكبير أتابك العساكر أيتمش البجاسي وأمير سلاح تغري بردي من يشبغا الظاهري أعني الوالد وأمير مجلس أرغون شاه البيدمري الظاهري والأمير آخور الكبير سيدي سودون قريب الملك الظاهر برقوق وحاجب الحجاب فارس الأعرج الظاهري ورأس نوبة النوب أرسطاي والدوادار الكبير بيبرس ابن أخت السلطان الملك الظاهر والخازندار يشبك الشعباني الظاهري وهو أمير مائة ومقدم ألف وشاد الشراب خاناه سودون المارداني والأستادار الأمير يلبغا الأحمدي الظاهري المجنون وكاتب السر فتح الدين فتح الله التبريزي والوزير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج وناظر الجيش والخاص معًا سعد الدين إبراهيم بن غراب ومحتسب القاهرة الشيخ تقي الدين أحمد المقريزي ووالي القاهرة شهاب الدين أحمد بن الزين‏.‏

وبالبلاد الحجازية والشامية‏:‏ أمير مكة الشريف حسن بن عجلان الحسني وأمير المدينة النبوية الشريف ثابت بن نعير الحسني‏.‏

ونائب الشام الأمير تنبك الحسني المعروف بتنم الظاهري ونائب حلب آقبغا الجمالي الظاهري المعروف بالأطروش ونائب طرابلس يونس بلطا الظاهري ونائب حماة دمرداش المحمدي الظاهري ونائب صفد ألطنبغا العثماني الظاهري ونائب غزة ألطنبغا الحاجب الظاهري ونائب الكرك سودون الشمسي الظاهري المعروف بالظريف وعدة نواب أخر بقلاع الساحل وغيرها يطول الشرح في ذكرهم‏.‏

ولما تم أمر الملك الناصر فرج في الملك بعد أن دفن والده وصار الأتابك أيتمش مدبر ملكه أراد أيتمش أن يطلع إلى باب السلسلة ويسكن بالإسطبل السلطاني فمنعه من ذلك الأمير سودون الأمير آخور الكبير قريب الملك الظاهر ورد ما بعثه الأمير الكبير أيتمش من القماش فاستدعي سودون إلى حضرة السلطان فامتنع‏.‏

فأمسك أيتمش عن الكلام في ذلك وتكلم فيما يعي نفعه‏.‏

فأمر فكتب إلى سائر الأقطار بالعزاء في الملك الظاهر برقوق والهناء بسلطنة ولده الملك الناصر فرج‏.‏

وكتب تقليد الشريف حسن بن عجلان بإمرة مكة وكان بالقاهرة‏.‏

وكتب إلى مكة وبها الأمير بيسق الشيخي والي المدينة النبوية وتوجه بذلك بعض الخاصكية‏.‏

وكتب إلى الأمير نعير بن حيار بإمرة آل فضل على عادته‏.‏

وعزل الأمير شمس الدين محمد بن عنقاء بن مهنا وعرف بموت الملك الظاهر وبسلطنة الملك الناصر فرج وحمل إليه التشريف والتقليد على يد الأمير أسنبغا الدوادار‏.‏

وعين الأمير سودون الطيار الأمير آخور بالكتب والخلع إلى نائب الشام الأمير تنم الحسني‏.‏

وعين يلبغا الناصري رأس نوبة إلى الأمير آقبغا الجمالي نائب حلب وعين الأمير تغري بردي قرا إلى الأمير يونس بلطا نائب طرابلس‏.‏

وعين الأمير يشبك إلى الأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد‏.‏

وعين الأمير شاهين كتك إلى الأمير سودون الظريف نائب الكرك وعلى يد كل من هؤلاء كتاب يتضمن العزاء والهناء وأن يحلف كل نائب أمراء بلده للملك الناصر فرج على العادة‏.‏

وقرر الأمير الكبير أيتمش مع أرباب الدولة إبقاء الأمور على ما هي عليه‏.‏

ثم كلم الوزير والأستادار في الكف عن الظلم وتجهيز الجامكية والعليق برسم المماليك السلطانية‏.‏